خبر : عندما تكون الحياة رمزاً للانتصار .. تقرير صحفي يسلط الضوء على واقع الحياة في قطاع غزة خلال زيارة الوفد الطبي الروسي للقطاع بالتنسيق مع اتحاد الأطباء العرب

الإثنين 03 سبتمبر 2012

عندما تكون الحياة رمزاً للانتصار .. تقرير صحفي يسلط الضوء على واقع الحياة في قطاع غزة خلال زيارة الوفد الطبي الروسي للقطاع بالتنسيق مع اتحاد الأطباء العرب

ارتبط العالم العربي مع الربيع الذي أخاف البعض وشجع آخرين، وفي نشوة الحرية يبدو أن العالم قد نسي قطعة صغيرة من الأرض تدعى قطاع غزة الذي استنزفته سبع سنوات من الحصار المتواصل ولم يصله حتى رائحة هواء الحرية.

في البداية قابلنا ضابط  مبتسماً من الشرطة المصرية وهو يحمل القرآن الكريم في إحدى يديه وبيده الأخرى يتفحص وثائقنا، ذهبنا بعدها من خلال معبر رفح وهو منفذ غزة الوحيد على العالم لكثير من الناس الذين يعبرون الحدود بعد أن يمكثوا أوقاتا طويلة فيه.

الفلسطينيون عادة ما يبقون ليومين أو أكثر على معبر رفح، حيث أنهم مطالبون بتقديم أسباب وجيهة لكي يتمكنوا من حرية التنقل والحصول على الرعاية الصحية، والحق في الحصول على التعليم وفرص لقاء العائلة والأصدقاء.

غادرنا معبر رفح، تاركين وراءنا في غرف الانتظار فلسطينيين كبار في السن، وأطفال ونساء يبكون، وعلى غير الفلسطينيين تجاهل هذه العنصرية للأسف.

بهذه المقدمة المريرة والمعبرة عن واقع الحياة في قطاع غزة بدأت جمعية التضامن الروسية تقريرها الصحفي عن زيارتها الأخيرة لقطاع غزة، حيث يشير التقرير إلى أن سبع سنوات من الحصار كانت كفيلة باستنفاذ الموارد المادية والبشرية، وذلك كما جاء على لسان الصيدلي أشرف أبو مهادي الذي أشار إلى أن إسرائيل  تصر على حظر استيراد الأدوية والمعدات، إذ أن مستودعات  الأدوية في غزة الآن تعاني من نقص حاد في 206 صنفا من الأدوية. وغالبا ما تكون البدائل المتاحة لها آثار سلبية على صحة المرء. بالإضافة إلى أن الأدوية والمساعدات الإنسانية في بعض الأحيان تكون فترة صلاحيتها قصيرة جداً. وخاصة بما يتعلق المرضى المصابين بالأمراض المزمنة.

 

هذا العام  هو الأكثر تعقيدا، وذلك لأن الجميع مشغول مع الثورات العربية، كما أن المساعدات الإنسانية قد انخفض مستواها عدة مرات عن قبل.

يقول أشرف أبو مهادي - نائب رئيس قسم الصيدلة في وزارة الصحة في غزة - " الفترة من يناير إلى يوليو، وصلت الأدوية من الاتحاد الأوروبي من خلال رام الله مرتين فقط، وهذا هو 19٪ من احتياجاتنا. وتغطي المنظمات الإنسانية ما يقارب 30% "

وبقية الـ 50٪ من الأدوية بكل بساطة غائبة في غزة حيث أخذنا السيد أبو مهادي إلى الرفوف الفارغة في مستودع الأدوية.

وتضيف السيدة ليليا – رئيسة الجمعية -  في تقريرها أن وزارة الصحة الفلسطينية تلاحظ أن الأمراض الأكثر شيوعا في القطاع الفلسطيني هي الأورام في الجهاز التنفسي أو الدم، وأمراض أجهزة السمع والرؤية، والجهاز المناعي وأمراض القلب الخلقية (حوالي 70٪ من الرضع ونحو ثلث النساء الحوامل في غزة يعانون من فقر الدم)، حيث أن الأطباء يعزون ذلك ليس فقط بسبب العيش في ظروف قاسية من الحصار، وإنما يوردون احتمالا كبيرا لسبب استخدام إسرائيل لأنواع خطيرة من الأسلحة خلال الحرب على غزة وما تسبب به ذلك من تلوث لمياه الشرب في قطاع غزة.

وعن توفر أي دراسات حول هذا الموضوع، قالت وزارة الصحة في غزة أن الأطباء في غزة قد طالبوا  لسنوات عديدة تحقيقا في الأسلحة المستخدمة أثناء عملية "الرصاص المصبوب"، والتفجيرات اللاحقة وأثرها. ومع ذلك، لم تقم أي منظمة دولية بذلك حتى الآن.

وفيما يخص ظروف العمل الصحي في غزة تقول السيدة ليليا " لا تكاد بعض الأشياء التي تحدث هنا تترافق مع القرن الحادي والعشرين. للقارئ الكريم أن يتخيل، من أجل إفساح المجال لتدفق مستمر من المرضى و المراجعين في المستشفيات، يتم في كثير من الأحيان تسريح الكثير من الأمهات الشابات في المستشفى في غضون ساعات قليلة بعد الولادة، وهو ما قد ينطوي على مخاطر صحية كبيرة، بما في ذلك احتمال حدوث نزيف ما بعد الولادة، والعدوى،، إلخ "

ويوضح التقرير إلى أن نصف الأشخاص الذين يعانون من مرضى السرطان يموتون في غزة بسبب نقص الأدوية، حيث أن من  60  صنف من أدوية السرطان هناك 30 فقط  متوفر.

التقرير يشير أيضا إلى أن الاحتلال يحظر جميع مواد البناء والمعدات التي يتم استيرادها  إلى غزة، حيث يتم إدخالها  من خلال  شريان الحياة وهي الأنفاق تحت الأرض. كما أن سكان القطاع المحاصر يحصلون على الكهرباء فقط 8 ساعات في اليوم، إذ أن في جميع أنحاء غزة هناك مولدات كبيرة تعمل ، ولكن معظم الأسر في غزة لا تمتلك مولدات كهربائية، ويعيشون على ضوء الشموع و عادة ما يكون استخدام هذه البدائل صورة أخرى من صور الموت الذي ينتشر في شوارع غزة حيث أدى استخدام هذه المولدات إلى حدوث الكثير من الحرائق و ما يرافقها من الآم و فقد العديد من الأطفال حياتهم.

كما تطرق التقرير إلى معاناة  الفريق الطبي الروسي خلال أداء مهامه، ومن ضمنهم الجراح الروسي وطبيب العيون أندريه ميرونوف الذي لم يتمكن  في العديد من المرات من إجراء عمليات جراحية بسبب انقطاع التيار الكهربائي أو بسبب نفاذ الوقود المشغل للمولدات الكهربائية، حيث أحيانا يتوقف العمل في غرف العمليات تماما لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات كل يوم.

 

على ضوء شمعة

يقول مدير مكتب اتحاد الأطباء في غزة الدكتور محمود أبو دراز أن كل ما في غزة هو نتيجة لجهود هائلة تسعى لتحقيق النصر من الفلسطينيين أنفسهم، صحيح أن اثنين أو ثلاثة من القوافل الطبية الإنسانية من جميع أنحاء العالم يأتون إلى هنا كل شهر ولكن ليس هناك من هو قادر على مساعدة شخص ما إذا كان هو لا يستطيع أن يغير نفسه. وقال "عندما كانت البوسنة مثلا تحت الحصار،  كثير من الناس مات ببساطة لانعدام وسائل الحياة إضافة إلى الأسباب الأخرى المعروفة، ولكن عندما تم حصار غزة و انعدمت سبل العيش  بدأ الناس هنا ينحتون في الصخر و حفروا الأنفاق لتكون رسالة حياة بدلا من رسائل الموت التي تأتيهم من الطرف الآخر طوال الوقت "

 

واختتم التقرير الذي أعدته جمعية التضامن الروسية برسم صورة جديدة لغزة التي تغيرت في الأشهر القليلة الماضية، حيث تم بناء بعض المنازل على الساحل وفي الشوارع الرئيسية  والتي  شيدت من المواد التي وصلت عبر الأنفاق من تحت الأرض، وفق ما ورد في التقرير و يضيف التقرير أن هناك نقص في كل شيء إلا شيء واحد فقط هو الإيمان. أنهم يؤمنون بالله ويؤمنون بالنصر.